كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأن زيادة الربح في مقابلة زيادة العلم وفاقًا للحنابلة. وعند غيرهم لابد أن يكون الربح بحسب المال. ولو اشترى أحد الشريكين شركة العنان بثمن فليس لمن باعه مطالبة شريكه الآخر، لأنها لا تتضمن الكفالة بل يطالب الشريك الذي اشترى منه فقط، ولكن الشريك يرجع إ\على شريكه بحصته. ولا يشترط في هذه الشركة عندهم خلط المالين، فلو اشترى أحدهما بماله وهلك مال الآخر كان المشتري بينهما، ويرجع على شريكه بحصته منه.
وتبطل هذه الشركة عندهم بهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء. وتفسد عندهم باشتراط دراهم مسماة من الربح لأحدهما. ويجوز عندهم لكل من شريكي المفاوضة والعنان- أن يبضع ويستأجر. ويودع ويضارب ويوكل. ويد كل منهما في مال الشركة يد أمانة، كالوديعة والعارية وأما شركة الأعمال ففيها تفصيل عند الحنفية. فإن كان العمل من الصناعات ونحوها جازت عندهم شركة الأعمال، ولا يشترطون اتحاد العلم أو تلازمه- خلافًا للمالكية كما تقدم فيجوز عند الحنفية: أن يشترك خياطان مثلًا، أو خياط وصباغ على أن يتقبلا الأعمال، ويكون الكسب بينهما، وكل عمل يتقبله أحدهما يلزمهما: وإذا علم أحدهما دون الآخر فما حصل من عمله فهو بينهما. وإنما استحق فيه الذي لم يعمل لأنه ضمنه بتقبل صاحبه له، فاستحق نصيبه منه بالضمان.
وهذا النوع الذي أجازه الحنفية لا يخفى أنه لا يخلو من غرر في الجملة عنند اختلاف صنعة الشريكين. لاحتمال أن يحصل أحدهما أكثر مما حصله الآخر. فالشروط التي أجاز بها المالكية شركة الأعمال أحوط وأبعد من الغرر كما ترى.
وأما إن كانت الأعمال من جنس اكتساب المباحات فلا تصح فيها الشركة عند الحنفية، كالاحتطاب والاحتشاش، والاصطياد واجتناء الثمار من الجبال والبراري، خلافًا للمالكية والحنابلة.
ووجه منعه عند الحنفية- أن من اكتسب مباحًا كحطب أو حشيش أو صيد ملكه ملكًا مستقلًا. فلا وجه لكون جزء منه لشريك آخر، لأ، ه لا يصح التوكيل فيه ومن أجازه قال: إن كل واحد منهما جعل للآخر نصيبًا من ذلك المباح الذي يكتسبه في مقابل النصيب الذي يكتسبه الآخر. والمالكية القائلون بجواز هذا يشترطون اتحاد العمل أو تقاربه، فلا غرر في ذلك، ولا موجب للمنع. وفي اشتراط ذلك عند الحنالبلة خلاف كما سيأتي إن شاء الله.
وأما شركة الوجوه التي قدمنا أنهاهي المعروفة عند المالكية بشركة الذمم وقدمن منعها عند المالكية والشافعية- فهي جائزة عند الحنفية، سواء كانت مفاوضة أو عنانًا. وقد علمت مما تقدم أن المفاوضة عندهم تتضمن الوكالة والكفالة. وأن العنان تتضمن الوكالة فقط، وإن اشترط الشريكان في شركة الوجوه مناقصفة المشتري أو مثالثته- فلاربح كذلك عندهم وبطل عندهم شرط الفضل.
لأن الربح عندهم لا يستحق إلا بالعمل. كالمضارب أو بالمال كرب المال. أو بالضمان كالأستاذ الذي يتقبل العلم من الناس ويلقيه على التلميذ بأقل مما أخذ، فيطيب له الفضل بالضمان- هكذا يقولونه. ولا يخفى ما في شركة الوجوه من الغرر.
واعلم أن الربح في الشركة الفاسدة على حسب المال إن كانت شركة مال، وعلى حسب العلم إن كانت شركة عمل، وهلذا واضح، وتبطل الشركة بموت أحدهما. اما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام أحمد رحمه الله- فهي أيضًا قسمان: شركة أملاك، وشركة عقود.
وشركة العقود عند الحنابلة خمسة أنواع: شركة العنان، والأبدان، والوجوه، والمضاربة، والمفاوضة.
أما شركة الأبدان فهي جائزة عندهم، سواء كان العمل من الصناعات أو اكتساب المباحات. أما مع اتحاد العمل فهي جائزة عندهم بلا خلاف. وأما مع اختلاف العلم فقال أبو الخطاب: لا تجوز وفاقًا للمالكية. وقال القاضي: تجوز وفاقًا للحنفية في الصناعات دون اكتساب المباحات.
وإن اشتركا على أن يتقبل أحدهما للعمل ويعمله الثاني والأجرة بينهما صحت الشركة عند الحنابلة والحنفية خلافًا لزفر. والربح في شركة الأبدان على ما اتفقوا عليه عند الحنابلة.
وأما شركة الوجوه التي قدمنا أنها هي المعروفة بشركة الذمم عند المالكية فهي جائزة أيضًا في مذهب الأمام أحمد وفاقًا لأبي حنيفة، وخلافًا لمالك والشافعي. وأما شركة العنان فهي جائزة أيضًا عند الإمام أحمد. وقد قدمنا الأجماع على جوازها. وهي عندهم: أن يشترك رجلان بماليهما على أن يعملا فيهما بأبدانهما والربح بينهما. وهذه الشركة إنما تجوز عندهم بالدنانير والدراهم، ولا تجوز بالعروض.
وأما شركة المفاوضة- فهي عند الحنابلة قسمان: أحدهما جائز والآخر ممنوع.
وأما الجائز منهما فهو أن يشتركا في جميع أنواع الشركة. كأن يجمعا بين شركة العنان والوجوه والأبدان فيص ذلك، لأن كل نوع منها يصح على انفراده فصح مع غيره.
وأما النوع الممنوع عندهم منها فهو أن يدخلا بينهما في الشركة الاشتراك فيما يحصل لكل واحد منهما من ميراث أو يجده من ركاز أو لقطة. ويلزم كل واحد منهما ما لزم الآخر من أرش جناية وضمان غصب، وقيمة متلف، وغرامة ضمان، وكفالة وفساد هذا النوع ظاهر لما فيه من الغرر كما ترى.
وأما شركة المضاربة- وهي القراض- فهي جائزة عند الجميع- وقد قدمنا أنها هي: أن يدفع شخص لآخر مالا يتجر فيه على أن يكون الربح بينهما بنسبة يتفقان عليها، وكون الربح في المضاربة بحسب ما اتفقا عليه لا خلاف فيه بين العلماء، سواء كان النصف أو أقل أو كثر لرب المال أو للعامل.
وأما شركة العنان عند الشافعية والحنابلة والحنفية والمالكية، وشكرة المفاوضة عند المالكية- فاختلف في نسبة الربح، فذهب مالك والشافعي إلى أنه لابد من كون الرح والخسران بحسب المالين، وذهب أبو حنيفة وأحمد إلى أن الربحبينهما على ما اتفقا عليه، فلهما أن يتساويا في الربح مع تفاضل المالين.
وحجة القول الأول- أن الربح تبع للمال، فيلزم أن كيون بحسبه. وحجة القول الأخير أن العلم مما يستحق به الربح، وقد يكون أحدهما أبصر بالتجارة وأقوى على العمل من الآخر، فنزاد حصته لزيادة علمه.
هذا خلاصة مذاب الأئمة الأربعة في أنواع الشركة. وقد علمت أنهم أجمعوا على جواز شركة العنان، وشركة المضاربة، وشركة الأملاك. واختلفوا فيما سوء ذلك. فأجاز الحنفية والحنابلة شركة الوجوه، ومنعها المالكية والشافعية.
وأجاز المالكية والحنفية والحنابلة شركة الأبدان إلى في اكتساب المباحات فقط فلم يجزه الحنفية. ومنع الشافعية شركة الأبدان مطلقًا.
وأجاز المالكية شركة المفاوضة، وصورها بصورة العنان عند الشافعية والحنابلة.
وأجاز الحنفية شركة المفاوضة، وصورها بغير ما صورها به المالكية، وأجاز الجنابلة نوعًا من أنواع المفاوضة وصوروه بصورة مخالفة لتصوير غيرهم لها. ومنع الشافعية المفاوضات كما منعوا شركة الأبدان والوجوه. وصوروا المفاوضة بصورة أخرى كما تقدم.
والشافعية إنما يجيزون الشركة بالمثلى مطلقًا نقدًا أو غيره، لا بالمقومات.
والحنفية لا يجيزونها إلا بالنقدين والتبر والفلوس النافقة. والحنابلة لا يجيزونها إلا بالدنانير والدراهم كما تقدم جميع ذلك.
وقد بينا كيفية الحيلة في الاشتراك بالعروض عند الشافعية والحنفية، وعند المالكية تجوز بدنانير من كل واحد منهما، وبدراهم من كل واحد منهما، وبدنانير ودراهم من كل واحد منهما، وبنقد من أحدهما وعرض من الآخر، وبعرض من كل واحد منهما سواء اتفقا أو اختلفا، وقيل: إن اتفقا لا إن اختلفا، إلا أن العروض تقوم. وأما خلط الالين فلابد منه عند الشافعي رحمه الله حتى لا يتميز أحدهما عن الآخر كما تقدم. ويكفي في مذهب مالك أن يكون المالان في حوز واحد. ولو كان كل واحد من المالين في صرته لم يختلط بالآخر. ولا يشترط خلط المالين عند الخنفية كما تقدم. وكذلك لا يشترط خلط المالين في محل واحد. كحانوت أو صندوق، وإن كان كل واحد منهما متميزًا عن الآخر.
فإذا عرفت ملخص كلام العلماء في أنواع الشركات، فسنذكر ما تيسر من أدلتها. أما النوع الذي تسميه المالكية مفاوضة وعيبر عنها الشافعية والحنابلة بشركة العنان. فقد يستدل له بحدث الباء ين عازب الذي قدمنا عن البخاري والإمام أحمد، فإنه يدل على الاشتراك في التجارة والبيع، والشراء لأن المقصود بالاشتراك التعاون على العمل المذكور فينوب كل واحد من الشريكين عن الآخر. ويدل لذلك أيضًا حديث أبي هريرة يرفعه قال: إن الله يقول: «أنا ثالث الشريكين..» الحديث المتقدم. وقد بينا كلام العلماء فيه، وبينا أنه صالح للاحتجاج، وهو ظاهر في أنهما يعملان معًا في مال الشركة بدليل قوله: «ما لم يخن أحدهما صاحبه..» الحديث. ويدل لذلك أيضًاحديث الاسئب بن أبي السائب المتقدم في أنه كان شريك النَّبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم، وهو اشتراك في التجارة والبيع والشراء.
وأما شركة الأبدان فيحتج لها بما رواه أبو عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال: فجاء سعد بأسيرين ولم أجىء أنا وعمار بشيء: رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال المجد في منفى الأخبار بعد أن ساقه: وهو حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات. وأعلَّ هذا الحديث بأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله المذكور فالحديث مرسل. وقد قدمنا مرارًا أن الأئمة الثلاثة يحتجون بالمرسل خلافًا والمحدثين.
وأما المضاربة فلم يثبت فيها حديث صحيح مرفوع، ولكن الصحابة أجمعوا عليها لشيوعها وانتشارها فيهم من غير نكير. وقد مضى على ذلك عمل المسلمين من لدن الصحابة إلى الآن من غير نكير. قال ابن حزم في مراتب الإجماع: كل أبواب الفقه فلها أصل من الكتاب والسنة، حاشا القراض فما وجدنا له أصلًا فيهما ألبتة، ولكنه إجماع صحيح مجرد. والذي يقطع به أنه كان في عصر النَّبي صلى الله عليه وسلم فعلم به وأقره، ولولا ذلك لما جاز اهـ. منه بواسطة نقل الشوكاني في نيل الأوطار.
واعلم أن اختلاف الأئمة الذي قدمنا في أنواع الشركة المذكورة راجع إلى الاختلاف في تحقيق المناط، فبعضهم يقولك هذه الصورة يوجد فيها الغرر وهو مناط المنع فهي ممنوعة، فيقول الآخر: لا غرر في هذه الصورة يوجب المنع فمناط المنع ليس موجودًا فيها. والعلم عند الله تعالى.
المسألة الثالثة:
- أخذ بعض علماء المالكية وغيرهم من هذه الآية الكريمةة التي نحن بصصدها ايضًا: جواز خلط الرفقاء طعامهم وأكل يعضهم مع بعض وإن كان بعضهم أكثر أكلًا من الآخر؛ لأن أصحاب الكهف بعثوا ورقهم ليشتري لهم بها طعام يأكلونه جميعًا. وقد قدمنا في كلام ابن العربي أنه تحتمل انفراد ورق كل واحد منهم وطعامه؛ فلا تدل الآية على خلطهم طعامهم. كما قدمنا عنه: أنها لا تدل على الاشتراك للاحتمال المذكور، وله وجه كما ترى.
وقال ابن العربي: ولا معول في هذه المسألة إلا على حديثين، أحدهما: أن ابن عمر مر بقول يأكلون تمرًا فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الاقتران إلا أن يستأذن الرجل وأخاه. والثاني: حديث أبي عبيدة في جيس الخبط.
وهذا دون الأول في الظهرو، لأنه يجتمل أن يكون أبو عبيدة يعطيهم كفافًا من ذلك القوت ولا يجمعهم اهـ. كلام ابن العربي المالكي رحمه الله تعالى.
قال مقيده عفا الله عنه: هذا النوع من الاشتراك وهو خلط الرفقة طعامهم واشتراكهم في الأكل فيه- هو المعروف بالنهد بكسر النون وفتحها، ولجوازه أدلة من الكتاب والسنة.
أما دليل ذلك من الكتاب- فقوله تعالى: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220] فإنها تدل على خلط طعام اليتيم مع طعام وصيه وأكلهما جميعًا، وقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا} [النور: 61] ومن صور أكلهم جمعيعًا أن يكون الطعام بينهم فيأكلون جميعًا.
وأما السنة- فقد دلت على ذلك أحاديث صحيحة. منها حديث ابن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا إلى الساحل، فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، وهم ثلثمائة نفر، وأنا فيهم. فخرجنا حتى إذا كما ببعض الطريق فني الزاد، فأمر أبوعبيدة بأزواد ذلك الجيش، فجمع ذلك كله، فكان مزودي تمر فكان يقوتنا كل يوم قيلًا حتى فنى، فلم يكن يصيبنا إلا تمرة تمرة. فقلت: وما تغنى تمرة؟ فقال لقد وجدنا فقده حين فنيت. ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت».. الحديث. وهذا الحديث ثابت في الصحيح، واللفظ الذي سقناه به لفظ البخاري في كتاب الشركة وفيه. جمع أبو عبيدة بقية أزواد القوم وخلطها في مزودي تمر، ولم ينر عليه صلى الله عليه وسلم بعد قدومهم إليه، ومنها حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خفت أزواد القوم وأملقوا، فأتوا النَّبي صلى الله عليه وسلم في نحر إبلهم، فأذن لهم فلقيهم عمر فأخبروه فقال: ما بقاؤكم بعد إبلكم، فدخل على النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ما بقاؤهم بعد إبلهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ناد في الناس فيأتون بفضل أزوادهم فبسط لذلك نطع وجعلوه على النطع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا وبرك عليه، ثم دعاهم بأوعيتهم فاحتثى الناس حتى فرغوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إليه إلا الله وأني رسول الله» هذا الحديث ثابت في الصحيح، واللفظ الذس سقناه به للبخاري أيضًا في كتاب الشركة وفيه: خلط طعامهم بعضه مع بعض.
ومنعها حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يقرن الرجل بين التمرتين جميعًا ختى يستأذن أصحابه». في رواية في الصحيح «أن النَّبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإقران إلا أن يستأذن الرجل منكم أخاه». كل هذا ثابت في الصحيح واللفظ للبخاري رحمه الله في كتاب الشركة.